السلام عليكم و رحمة الله و بركاته أتمنى لحروفي درجة رفيعة ولشهودها مقاما محمودا

الاثنين، 16 مايو 2011

تقديم كتاب : المال العام تعظيم حرمته وأضرار سرقته

تقديم لكتاب المال العام

صدر لنا مؤخرا كتاب في فقه المصالح العامة مرتكزه المال العام ، بغيتنا منه محاصرة هؤلاء القوم الذين يأكلون قوت المجتمع ونسيج الدولة وعماد الحكم ، هذا المال العام الذي يجهل كثير منا عظم حرمته وتشديد أمر أكله بغير حق من قبل الفقهاء الأئمة - رضوان الله عليهم - خاصة إمامنا مالك بن أنس الذي يجد القارئ لهذا الكتاب تميز مذهبه بتغليظ حرمة المال العام فيه ، وفي هذا البحث دفع حجة داحضة لمن يهون أمر هذا المال أو يستبيحه بغير حق ، ومنطلقه في ذلك ظهير قوي من الأدلة النصية وشاهد بيّن من سير الخلفاء الراشدين .

إنه كتاب أردناه لبنة في صرح ندعو كل حاملٍ هما من هموم الأمر العام إلى المساهمة في بنائه بلبن التربية والتعليم ، ونخص بهذا الدعاء حملة الأقلام من الكتاب و المفكرين أولي الغيرة على المصالح العامة ؛ ليكون المواطن الموريتاني - تلميذا داخل المدرسة أو قارئا في المكتبة أو مستمعا إلى خطيب سياسي - متسلحا بثقافة مدنية ضاربة في جذور المعتقد ، ففي دينه ناهٍ عن فحشاء خيانة الوطن وزاجر عن منكر أكل خبز المجتمع .

وهذا تقديم للكتاب مقتطع من مقدمته - بتصرف بسيط - فهو مقسم إلى الأقسام التالية :
* قسم مهدنا به لبحث المال العام تمهيدا عاما هو المال الحرام ، ونحن بهذا المدخل نريد أن تتقرر في النفوس حقيقة أقمنا عليها الدليل ، هي اعتبار المال العام المأخوذ بغير حق قسما معدودا في المال الحرام

* وقسم ناقشنا فيه مفهوم المال العام ، وأوردنا أدلة تعظيم حرمته وحكم سرقته ، وأردنا أن نبين للقارئ أن ما ذهب العلماء إليه من درء الحد بشبهة وجود حق للفرد في هذا المال لا وجه فيه لمستبيح هذا المال بغير حق ، فالحرمة قائمة والعقوبة مترتبة ، وقصارى ما في درء الحد عن السارق من المال العام تخفيف العقوبة من إقامة حد القطع عليه إلى عقوبة تعزيرية يقدرها الحاكم كافية للردع ، وقطع السبيل دون سرقة هذا المال العام .
* وقسم درسنا فيه الموارد التي تمد خزينة الدولة العامة وتغذيها بالمال العام الضروري لإقامة الدولة ، ولما كان بيت المال قد تأسس في ظروف تاريخية حددت طبيعته ، واستمد موارده منها آثرنا أن نومئ إلى قديم الموارد بإيجاز مركزين على حديث الموارد منتقين موارد ذات أثر في مد الخزينة العامة بالمال من بعض أقسام هذه الموارد كالضريبة- مثلا - من الموارد المالية المباشرة ، والبترول من الموارد الطبيعية ، والسمك من الموارد الحيوانية معرضين عن غيرها من موارد الحزينة العامة في العصر الحديث ؛ لأن التوسع في هذه الموارد ليس من مشغلنا في هذا البحث .
* وقسم أنشأناه لبيان مصارف هذه الموارد ، وفيه بحثنا الجهة الموكل إليها استحقاق الصرف ، وقد قسمنا مصارف المال العام - إجرائيا - قسمين : قسما نعتناه بالمصارف المصنفة أو الاستحقاقية الأصلية مثل المصالح العامة وما يتصل بها كرواتب موظفي الدولة وإعانة الفقراء والعجزة ، وقسما أسميناه المصارف التقديرية أي التي يعود الصرف فيها إلى تقدير الصارف ، وفيه درسنا علائق مالية بين الصارف والمصروف له ، ومثل هذه العلائق كثيرة ومتجددة ، لكننا اكتفينا ببعضها على سبيل الإبراز لا الحصر ، وقد لاحظنا أن مكافأة الأفراد من بيت المال قد وُجهت في الحقب التي تلت العهد الراشدي بما أسميناه النظرية الشعرية للمال ، وأبنا من خلال الإشارة إلى بعض سير الخلفاء مجافاة هذه النظرية ضوابط بيت المال العام ، لتحريضها على هدر الحاكم المال العام وبذله إياه وفق معايير تجانب معايير تقسيم المال العام القائمة على المبالغة في استقصاء الحساب واستيفاء الحقوق .
*ولما كان المال الحرام حقيقة شاخصة في عصرنا هذا كما كان في العصور التي تلت حقبة الحكم الراشدي ، والتعامل معه محتاج إلى الاسترشاد بفقه هذا المال ، خصصنا له قسما حاولنا فيه الإجابة عن بعض الأسئلة المتعلقة بالمال الحرام عموما عند وجوده في يد الإنسان ، من قبيل الأسئلة التالية :
كيف يتصرف الإنسان في هذا المال ؟ وفيم يصرفه ؟ ، وما حكم التعامل مع هذا الإنسان الذي بيده مال حرام ؟ وما الحكم عندما يعم المال الحرام الأرض ؟ وما حكم سؤال الإنسان الذي تعامله عن حال ماله من حيث الحل والحرمة ؟
* وقسم خصصناه لأضرار نهب المال العام ، وهذا القسم تعزيز لقسم سابق أثبتنا فيه أدلة تعظيم حرمة المال العام ، فهناك بيان للأضرار المتعلقة بالدار الآخرة المتوسلة إلى الوازع الديني في الفرد ، وهنا تبصرة بأضرار نهب المال العام على الفرد والمجتمع والأمة ؛ لتكون شاخصة للعيان قائمة في الحس ، فتتنزل تلك الأضرار في العالم الآخر منزلة عالم الحياة المشهودة في معيشة الناس وسيرورة الأمم ، ومبتغى هذا القسم تنفير أكلة المال العام من هذه الآفة حتى ينكر آكل المال نفسه ، ويمقت طريقة كسبه ، وجدير بمن هذه صنعتهم أن تكون حياتهم كلها مقتا ، والحق أنهم كذلك ، فكأني بهؤلاء الأكلة يلعن بعضهم بعضا كلما ألم أحدهم أو طاف بأثر صاحبه ، فحين يتحرك آكل مال عام لمستشفى على طريق غير مرصوف قد نهب ماله العام ناهب ، يشتمه شتيمة آكل مال الطريق العام نفسه إياه عند زيارته هذا المستشفى .
ولك أن تقيس على هذا المثال مئات الأمثلة لتعلم أن من يأكل مالا عاما ، فيشجع على هذا الصنيع المائل عن جادة الحق غيره إنما يأكل حقه بأكله حق الآخرين ، ولما كان هذا الموضوع يحتاج نظرا طويلا وتأملا وبسطا لبيان الضرر الذاتي على الآكل نفسه قبل ما يلحق المجتمع والأمة من أضرار أفردنا لهذا الهم مبحثا يرجع إليه الباحث لتعميق ما أشرنا إليه من أضرار نهب المال العام .
إن من يأكل تمويل طريق عام أو يرصفه رصف الغاش المحتال ، حين يقتني سيارة فخمة قد لا يستمتع بها استمتاع الراصف الأمين ، وربما يتغاضى عما يجد من سوء هذا الطريق الذي فرط في جنبه ، ولكنه لن يستطيع التغاضي عما يسببه هذا الطريق من إزعاج لجميع الناس من حوله ولا التصامم عما يسمعه من نقمة السالكين إياه ، ولن يستطيع حجب العلم بما اختلس عن قوم حضروا العقد معه على بناء الطريق كتابا ، أو شهدوا عليه نظراء ، أو سمعوه خبر مذاعا في الأثير، أو مشروعا يستأنف ، أو يتسلم ، فوجبة المال العام ليست سرا ، والغاص بلقمتها ليس الداعي له بالسلامة كثيرا .
لقد حرصنا في المبحث الأخير من هذه الدراسة على تبيان جم المخاطر التي يسببها نهب المال العام وتعطيل المشاريع المعتمدة عليه في تحقيق المصالح العامة ، وافترضنا لبيان هذا المقصد عرض مثال لتلاعب أحد أكلة المال العام بمشروع بناء مركز صحي في قرية من قرى الدولة ، وبسطنا القول فيما يترتب على هذا التلاعب من المفاسد الراجعة على أهل القرية مما لو وعوه حق وعيه لكانوا مجنا دون من يسوم مصالحهم سوء التلاعب ، ممارسين وظيفة الرقيب على مصلحته الحريص على استكمالها المشفق عليها من طول المتطاولين ونهب الناهبين ، ومثل هذا الوعي المحرض على القيام بهذه الوظيفة لو وجد في مجتمع لتراجعت فيه طرائق النهب وحيل التلاعب بكل ما يحقق مصلحة عامة ، وليس معنى هذا أن ينهض إلى الناهب المتلاعب قروي مفتول الذراعين يضربه ضربا ، فهذا من قبيل حل المشاكل بالمشاكل ، بل غاية ما يتوقع الحكيم المتبصر من هذا الرقيب القروي أن يتظلم عند السلطة الوصية على المصالح العامة ، أو يرفع شكاته إلى كل من يهمه الأمر ، ونحن نكاد نجزم أن تنمية مثل هذا الوعي بأهمية المصلحة العامة وتشجيع مثل هؤلاء الرقباء الحكماء وسماع شكاتهم وإنصافهم حقيق كل ذلك بمحاصرة ذوي الطبائع الفاسدة ممن تسول لهم أنفسهم التطاول على المصالح العامة .
وقد استرسلنا في بيان ما يترتب على الناهب المتلاعب بالمال العام حين يفرط في بناء هذا المركز الصحي من أضرار لو استحضرها لكانت وقاية له من تدميره نفسه وظلمه هذه القرية بفعله المشين ، أما ما ينوء به كاهل الأمة من أضرار تتسع رقعتها لتطال بشؤمها البريء والمذنب على حد السواء فحدث عنه ولا حرج من جراء ها الصنيع الأخرق .
إن المال العام هو ما يصل نفعه إلي و إليك ، نرثه فننتفع به ونورثه ليبقى للأجيال القادمة من بعدنا ، وهو بذلك تراث الماضي وحياة الحاضر وعدة المستقبل .

منشور ضمن موقع : www.alakhbar.info
بتاريخ : 26/ 1/ 2010 م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق